وفرة الإنتاج لكن ضعف الإقبال: ارتفاع أسعار الدواجن في تونس يثير التساؤلات

اسعار الدجاج في تونس


تشهد سوق اللحوم البيضاء في تونس خلال صيف 2025 مفارقة لافتة؛ فعلى الرغم من تسجيل مستويات إنتاج قياسية في الدواجن والبيض، فإن الإقبال الاستهلاكي تراجع بشكل واضح، بالتزامن مع ارتفاع مفاجئ وغير مبرر في الأسعار. هذا التباين بين وفرة العرض وضعف الطلب يطرح أسئلة جوهرية حول أسباب هذه الظاهرة، وتداعياتها على المستهلك والمنتج، وحتى على الأمن الغذائي الوطني. في هذا التقرير نرصد المعطيات الرسمية، ونحلل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلف هذا المشهد المتقلب.

أرقام الإنتاج والمخزونات

كشف إبراهيم النفزاوي، رئيس الغرفة الوطنية لمنتجي لحوم الدواجن، أن إنتاج الدجاج بلغ حوالي 13,900 طن في يوليو 2025، بينما بلغ إنتاج لحم الديك الرومي 6,300 طن، وإنتاج البيض سجل 161 مليون بيضة، وهو مستوى مرتفع مقارنة بما قبل.

أما المخزونات الإستراتيجية، فقد بلغت 2,706 طن من الدجاج و15,557 طن من الرومي، وهي كميات تُعد كافية من الناحية التقنية لضمان توازن السوق.

ضعف الإقبال رغم الوفرة

رغم هذا الإنتاج الضخم، سجلت السوق تراجعًا ملحوظًا في الطلب خلال شهر جويلية، إذ لم يعد المستهلكون يشترون بالكيلو كما في السابق، بل بات الاستهلاك محدودًا—مثلاً 200 غرام فقط مع خضروات وبطاطا، خصوصًا في أيام الحرارة المرتفعة.

وأرجع النفزاوي هذا التراجع إلى ضعف القدرة الشرائية، حيث أصبح المواطن التونسي يراجع أولوياته الغذائية وسط ارتفاع أسعار الخضر والغلال والمنتجات الأساسية.

الزيادات المفاجئة في الأسعار

شهدت أسعار الدجاج استقرارًا خلال الفترة الماضية تحت سقف 5,500 مليم/كغ، لكن مؤخرًا لوحظ ارتفاع غير مبرر للأسعار في بعض المساحات التجارية الكبرى لتصل إلى 6,900 وحتّى 7,000 مليم/كغ، أي بزيادة تفوق 25٪.

وصف رئيس الغرفة الوطنية هذه الزيادات بـ "غير المبررة"، مشيرًا إلى أن الإنتاج متوفر والمخازن ممتلئة، ما ينفي أي مبرر منطقي لهذا التضخم.

عوامل أخرى تؤثر في القطاع

  • تراجع عدد صغار المربين بشكل ملحوظ، بسبب ضيق هامش الربح وارتفاع التكاليف، ما يجعل السوق موجهة أكثر نحو الشركات الكبرى المسيطرة.
  •  ارتفاع أسعار الأعلاف المركبة عالميًا، وخاصة الذرة والصوجا، وهي مكونات رئيسية في تغذية الدواجن، ساهم في رفع كلفة الإنتاج.
  • ضعف الرقابة على مسالك التوزيع، وسلوك بعض المزودين الكبار الذين يفرضون زيادات غير مبررة في أسعار الجملة.
  • هيمنة القطاع غير المنظم (الموازي) على أكثر من 50% من السوق، يخلّ بالتوازن السعري والرقابي ويزيد من التقلبات في الأسعار.

تبعات اقتصادية واجتماعية

انخفاض استهلاك اللحوم البيضاء والبيض يهدد أرباح المنتجين، خاصة الصغار منهم، كما يعزز احتمال تسجيل فائض إنتاج غير مُستهلك، ما قد يؤدي إلى إتلاف كميات من البيض أو بيعها بأسعار متدنية، مما ينعكس سلبًا على سلسلة القيمة بأكملها.

كما أن ارتفاع الأسعار في المساحات التجارية يخلق فجوة بين سعر الإنتاج وسعر البيع للمستهلك، وهو ما يولّد مشاعر استياء في الشارع التونسي، خاصة في ظل تدهور المقدرة الشرائية.

مبادرات رسمية لتدارك الأزمة

بدأ المجمع المهني المشترك لمنتجات الدواجن في تخزين 6.5 مليون بيضة، ومن المتوقع أن تصل الكمية إلى 10 ملايين بيضة، إلى جانب أكثر من 1,000 طن من اللحوم البيضاء كإجراء احترازي لضبط السوق مستقبلًا.

كما تم الإعلان عن خطط دعم الأعلاف، لكن تبقى فعالية التنفيذ مرهونة بسرعة التدخل الحكومي وقدرة الدولة على مجابهة تحديات السوق العالمية.

 التوصيات والتحليلات

  • تشديد الرقابة على الأسعار وخاصة لدى المزودين الكبار والمساحات الكبرى.
  • دعم مباشر لصغار المربين للحد من احتكار الشركات الكبرى للسوق.
  • تفعيل استراتيجية التخزين الاستراتيجي وتطوير منظومة التوزيع.
  • تحسيس المستهلك بأهمية ترشيد الاستهلاك مع الحفاظ على تغذية متوازنة.


الوضع الحالي لسوق الدواجن في تونس يكشف عن خلل في توازن السوق بين العرض والطلب، مدفوع بعوامل اقتصادية متشابكة أبرزها تراجع القدرة الشرائية، وغياب سياسات دعم ناجعة لصغار المنتجين، إلى جانب غموض في سلوك بعض المزودين الكبار. وفي ظل هذه المؤشرات، يبدو أن الأزمة لا تتعلق بالإنتاج بل بتوزيع العوائد وتوجيه الاستهلاك.

إن الحاجة اليوم ملحة لتدخّل حكومي أكثر فاعلية، يشمل مراقبة الأسعار، دعم قطاع الأعلاف، والحد من الاحتكار، حتى لا يتحوّل هذا القطاع الحيوي إلى عبء إضافي على الاقتصاد والمواطن في آن واحد. 

   

تعليقات