حين يُذكر اسم الحمامات، يتبادر إلى الذهن البحر الأزرق الصافي، الشواطئ الذهبية، والفنادق الفاخرة الممتدة على طول الساحل. لكن هذه المدينة الواقعة في ولاية نابل شمال شرق تونس ليست مجرد محطة للسباحة أو الاسترخاء، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تروي قصصًا عن التاريخ، الثقافة، والفنون، وتفتح ذراعيها لزوارها على مدار السنة. في هذا المقال سنأخذك في جولة شاملة لاكتشاف الحمامات كوجهة سياحية عالمية بامتياز.
الحمامات: من مدينة صغيرة إلى عاصمة السياحة
يعود تاريخ مدينة الحمامات إلى العهد الروماني، حيث عُرفت بمياهها الدافئة وموقعها الاستراتيجي على البحر. مع مرور الزمن، أصبحت المدينة محطة للتجار والمسافرين بفضل موقعها الذي يربط شمال إفريقيا بالمتوسط. وفي القرن العشرين، تحولت الحمامات إلى قبلة للفنانين والكتاب الأوروبيين الذين وقعوا في حب أجوائها الساحرة، لتصبح تدريجيًا عاصمة السياحة التونسية.
موسم سياحي ناجح بالأرقام
بحسب تصريحات المندوب الجهوي للسياحة بنابل – الحمامات، فإن المدينة شهدت منذ بداية السنة وحتى 10 سبتمبر توافد أكثر من 666 ألف سائح، أي بزيادة 2 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. كما تجاوز عدد الليالي المقضاة 3 ملايين ليلة سياحية، بنسبة نمو بلغت 2,5 بالمائة.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل مؤشر على أن الحمامات تُثبت عامًا بعد عام أنها وجهة مفضلة للسياح من أوروبا، الجزائر، ليبيا، والخليج، إضافة إلى السياحة الداخلية. الأهم من ذلك، أن الموسم السياحي لم يتوقف عند أشهر الذروة (يوليو وأغسطس)، بل تواصل بنسب عالية حتى سبتمبر، مع حجوزات مؤكدة لبقية أشهر السنة. وهو ما يُترجم في عيون المهنيين إلى سنة سياحية "ناجحة بامتياز".
شواطئ لا تنام
ما يميز الحمامات هو امتداد شواطئها الرملية الناعمة التي تُعتبر من أجمل شواطئ تونس. هنا يختلط زرقة البحر بصفاء السماء ليشكلا لوحة طبيعية تجذب عشاق السباحة والرياضات البحرية من كل مكان. توفر النوادي البحرية أنشطة متنوعة مثل ركوب الأمواج، الغوص، والإبحار، مما يجعلها وجهة مثالية للشباب والعائلات على حد سواء.
المدينة العتيقة: قلب الحمامات النابض
خلف أسوارها البيضاء وأزقتها الضيقة، تخبئ المدينة العتيقة بالحمامات سحرًا خاصًا. هناك يمكنك التجول بين الأسواق التقليدية التي تعرض منتجات الحرفيين المحليين، من الفخار والسجاد اليدوي إلى المجوهرات الفضية والعطور. كما تُعد القلعة القديمة المطلّة على البحر من أبرز المعالم التاريخية، حيث تمنح الزائر مشهدًا بانوراميًا ساحرًا للمدينة والساحل.
الحمامات والفنون: قصة عشق أبدية
اشتهرت الحمامات منذ عقود كملاذ للفنانين والكتاب. في الثلاثينات، استقر فيها عدد من الرسامين والكتاب الأوروبيين، ما جعلها مركزًا للإبداع الفني. واليوم، ما زالت المدينة تحتضن المركز الثقافي الدولي بالحمامات الذي يُنظم مهرجانات فنية وموسيقية على مدار السنة، أبرزها مهرجان الحمامات الدولي الذي يُقام في المسرح المكشوف المطل على البحر، ويستقطب فنانين عالميين من مختلف المجالات.
فنادق ومنتجعات فاخرة
تتميز الحمامات ببنية تحتية سياحية متطورة تضم مئات الوحدات الفندقية من مختلف الأصناف. سواء كنت تبحث عن إقامة فاخرة في منتجع خمس نجوم على البحر، أو فندق متوسط للعائلات، أو حتى دار ضيافة تقليدية في المدينة العتيقة، ستجد ما يلائمك. هذه المرونة في العروض تجعل الحمامات وجهة في متناول جميع الميزانيات.
السياحة الصحية والاستجمام
لا تقتصر الحمامات على السياحة التقليدية فقط، بل تشتهر أيضًا بمراكز العلاج بمياه البحر (Thalassotherapy) التي تُعد من الأرقى في المنطقة. يقصدها الزوار من أجل الاسترخاء، العلاجات الطبيعية، وجلسات التدليك، وهو ما يجعلها وجهة مثالية لمحبي الراحة والعناية بالجسم.
وجهة مثالية للعائلات
بفضل شواطئها الآمنة، مرافقها الحديثة، وأنشطتها الترفيهية، تُعتبر الحمامات خيارًا ممتازًا للعائلات. فالأطفال يجدون فضاءات للعب والمرح، بينما يستمتع الكبار بالهدوء أو الأنشطة الرياضية والثقافية.
أثر السياحة على اقتصاد الجهة
السياحة في الحمامات لا تقتصر على جذب السياح فقط، بل تمثل أيضًا رافعة اقتصادية مهمة. فهي توفر آلاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة، وتدعم الحرفيين والتجار المحليين. كما تشكل نافذة لترويج المنتجات التونسية التقليدية مثل زيت الزيتون، الفخار، والمنتجات النسيجية.
الحمامات: تطلعات نحو المستقبل
مع تواصل المشاريع الاستثمارية وتحسين البنية التحتية، تسعى الحمامات إلى تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية تنافس كبرى المدن المتوسطية. الرهان اليوم يتمثل في تنويع المنتوج السياحي عبر تطوير السياحة البيئية، السياحة الرياضية، والسياحة الثقافية، بما يُمكّن من استقطاب فئات جديدة من الزوار.
الحمامات ليست مجرد مدينة ساحلية، بل هي أسلوب حياة. مدينة تُلخص جمال تونس: شمس مشرقة، بحر لا ينتهي، تاريخ حي، وثقافة تنبض بالحياة. إنها عروس الساحل التي تواصل كتابة قصتها مع كل زائر يخطو على رمالها الناعمة. ومن يزورها مرة، يدرك جيدًا لماذا يُطلق عليها لقب: "المدينة التي لا تنام".