احتفلت الفنانة التونسية نبيهة كراولي يوم أمس بعيد ميلادها الستين، وسط أجواء مليئة بالحب والاعتراف بمسيرة طويلة وغنية من العطاء الفني. فقد استطاعت خلال أكثر من أربعة عقود أن تحجز لنفسها مكانة بارزة في الساحة الغنائية وأن تُرسّخ اسمها كإحدى أهم الأصوات التونسية والعربية.
من قفصة إلى العالمية
وُلدت نبيهة كراولي في مدينة قفصة جنوب غرب تونس، وبدأت رحلتها الفنية منذ سن مبكرة. بصوتها الدافئ العذب وحضورها الآسر، سرعان ما اكتسبت شهرة جعلتها تُلقّب بعدة ألقاب مثل “سفيرة الأغنية التونسية” و“الكروان” و“العصفور التيموقادي”. لم تقتصر شهرتها على تونس فقط، بل جابت أهم المسارح العربية والعالمية مثل ليالي دبي، أوبرا القاهرة، مسرح المدينة بيروت، وأولمبيا باريس، إضافة إلى حفلات ناجحة في أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج العربي.
إنتاجات موسيقية متنوعة
أبدعت نبيهة في تقديم الأغنية التونسية الأصيلة بأعمال مثل شفتك مرة، طريق السلامة، كان قلبي، متشوقة، ويا سعد. لكنها لم تتوقف عند حدود اللون المحلي، إذ خاضت تجارب جديدة بداية من 2002 عبر ألبوم النجع الذي حمل بصمة التجديد، ثم غنّت باللهجة الخليجية سنة 2008، ما ساعدها على الانتشار بشكل أوسع في العالم العربي.
تعاملت مع كبار الملحنين والمبدعين مثل محمد يحيى من مصر وفاضل نوبلي من الجزائر، كما نالت إشادات كبيرة من أسماء مرموقة في الفن العربي على غرار الشيخ إمام، هيام يونس، مارسيل خليفة، نصير شمة وسيمون أسمر. هذا التقدير يعكس قيمة تجربتها وفرادتها الفنية.
محطات بارزة في مسيرتها
- 1984: أول ظهور مسرحي مع الشيخ إمام في تونس.
- 1988: افتتاح مهرجان قرطاج بعمل "ليلة طائر".
- 1994: إطلاق ألبوم "طريق السلامة".
- 2003: مشاركتها في مسلسل "يا مسهرني" وتكريم رئاسي.
- 2020: تكريم من الرئيس قيس سعيد على مجمل أعمالها.
- 2023: أغنية "هاي طلت الباهية" وعرض مبهر في "أولمبيا باريس".
مهرجانات ومسارح عربية وعالمية
شاركت نبيهة كراولي في عشرات المهرجانات الكبرى مثل مهرجان قرطاج الدولي، مهرجان الحمامات، ليالي دبي، أوبرا الجزائر، مهرجان جميلة العربي، إضافة إلى مشاركات في مونتريال بكندا وغيرها. وقفت أيضًا على أكبر المسارح العالمية مثل أولمبيا باريس وLe Zénith، مثبتة قدرتها على ملامسة أذواق جماهير متنوعة.
رؤية فنية وهوية تونسية أصيلة
رغم تكوينها الفني المتأثر بالمدرسة الشرقية، إلا أن نبيهة كراولي ظلت وفية للأغنية التونسية، وسعت إلى نشرها عربيًا ودوليًا عبر مزج المقامات التونسية بالطرب الشرقي الكلاسيكي. هذا المزج جعلها تحافظ على هويتها المحلية وفي الوقت نفسه تنفتح على أنماط موسيقية جديدة، ما أكسبها قاعدة جماهيرية عريضة داخل وخارج تونس.
شهادات وإرث فني
لا يختلف اثنان في أن صوت نبيهة كراولي يُعد من أجمل الأصوات النسائية التونسية، حيث يصفها النقاد بأنها صاحبة "صوت مخملي" قادر على أداء المقامات الشرقية والعربية بأصالة وعمق. كما يعتبرها الكثيرون رمزًا للفن التونسي الأصيل وسفيرة له في العالم. أغانيها تحولت إلى جزء من الذاكرة الجماعية لعشاق الطرب التونسي، خاصة أغنية طريق السلامة التي لا تزال تُردد في المناسبات.
ستة عقود من الإبداع والنجاح
اليوم، وهي تحتفل بعيد ميلادها الستين، تواصل نبيهة كراولي حمل رسالة الفن الأصيل بروح متجددة. فرغم التغيرات التي طرأت على الساحة الموسيقية، لا تزال تحافظ على خطها الفني، لتبقى شاهدة على أن الأصالة قادرة على الصمود أمام موجات الحداثة والتجريب.
مسيرة نبيهة كراولي لم تكن مجرد مشوار فني فردي، بل قصة نجاح تونسية بامتياز، عكست من خلالها الهوية الثقافية لبلادها، وقدمت للأغنية العربية نموذجًا في الجمع بين الجمال الفني والعمق الإنساني.