غسالة النوادر في تونس 2025: أمطار خريفية غزيرة وتحذيرات رسمية

غسالة النوادر

يشهد طقس تونس منذ فجر يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025  موجة من التقلبات الجوية التي تراوحت بين زخات خفيفة وأمطار غزيرة شملت عديد المناطق. وقد أكدت معاهد الأرصاد الجوية الدولية أن هذه الأمطار قد تبلغ كميات هامة في بعض الولايات، مع احتمال تسجيل فيضانات حضرية خاصة في مناطق الشمال والوسط.

هذه الظاهرة ليست غريبة عن الذاكرة الشعبية التونسية، إذ يطلق عليها تقليدياً اسم غسالة النوادر، وهي أولى أمطار الخريف التي تأتي بعد صيف طويل جاف. وبينما ينتظرها الفلاحون كعلامة خير وبداية موسم فلاحي جديد، فإنها في بعض الأحيان تحمل معها مخاطر كبيرة من سيول وفيضانات.

تحذيرات مرورية ودعوات للحذر

مع نزول كميات هامة من الأمطار، حذرت مصالح مرصد المرور مستعملي الطريق من المجازفة أثناء التنقل، خاصة في المناطق التي تشهد برك مياه أو سيول. ودعت إلى ضرورة الانتباه والالتزام بالحيطة، إلى جانب القيام بتفقد شامل للسيارات خصوصاً الأضواء الأمامية والماسحات الزجاجية وحالة الإطارات المطاطية. الهدف من هذه الإجراءات هو الحد من الحوادث وضمان سلامة السائقين في ظل الأجواء غير المستقرة.

غسالة النوادر: من الموروث الشعبي إلى الواقع المناخي

في الذاكرة الشعبية والفلاحة التقليدية بتونس، يُطلق على هذه الأمطار الغزيرة المفاجئة اسم غسالة النوادر. أصل التسمية يعود إلى "غسالة المنادر"، حيث أن المنادر كانت أماكن مخصصة لدَرْس الحبوب. وكانت أمطار بداية الخريف تغسل ما تبقى من بقايا المحاصيل والثمار النادرة مثل التين والعنب. ومع مرور الزمن تحولت التسمية إلى "غسالة النوادر".

هذه الأمطار توصف عادة بالمفاجئة والقوية، فهي تغسل الأرض حرفياً من بقايا الصيف وتعلن الانتقال الرسمي إلى الخريف. كما أن لها رمزية خاصة لدى الفلاحين باعتبارها بداية لموسم فلاحي جديد.

دلالات زراعية مهمة للفلاحين

بالنسبة للفلاحين في تونس، تُعتبر غسالة النوادر أكثر من مجرد أمطار موسمية، فهي مؤشر طبيعي على نهاية الصيف وبداية التحضير لموسم الزرع الشتوي. هذه الأمطار تساعد على تجديد مخزون المياه في التربة، وتساهم في تحسين قدرة الأرض على امتصاص العناصر الغذائية. وهو ما ينعكس مباشرة على جودة وإنتاجية المحاصيل الكبرى مثل القمح والشعير والخضروات الشتوية.

ورغم فوائدها الكبيرة، إلا أن هذه الأمطار قد تتسبب أحياناً في أضرار جسيمة إذا تزامنت مع بقاء محاصيل غير مجنية أو في حال نزولها بكميات مفرطة تؤدي إلى فيضانات محلية. لذلك تظل الأمطار سلاحاً ذا حدين: مصدر بركة للفلاحين من جهة، وتهديد للبنية التحتية والمدن من جهة أخرى.

المعهد الوطني للرصد الجوي: قراءة علمية

أوضح المعهد الوطني للرصد الجوي أن "غسالة النوادر" ليست مصطلحاً علمياً بحتاً، بل هي جزء من التقويم الفلاحي الشعبي. لكنها في الواقع تعكس مرحلة انتقالية في المناخ المتوسطي، حيث تبدأ الحرارة الصيفية في الانحسار تدريجياً ليحل محلها اضطرابات خريفية متكررة. هذه المرحلة عادة ما تُسجل في أواخر سبتمبر وبداية أكتوبر من كل عام.

النشرة الجوية ليوم 22 سبتمبر 2025

في نشرة متابعة رسمية، أعلن المعهد الوطني للرصد الجوي أن الوضع الجوي يوم الاثنين 22 سبتمبر يتميز بظهور سحب رعدية مصحوبة بأمطار غزيرة خاصة في المناطق الغربية للشمال والوسط. كما تشمل الأمطار تدريجياً الولايات الشرقية في فترة ما بعد الظهر.

أبرز الولايات المتأثرة كانت: جندوبة، الكاف، باجة، سليانة، بنزرت خلال الصباح، ثم زغوان، تونس، أريانة، منوبة، بن عروس، نابل وسوسة مع تقدم ساعات النهار. التوقعات أشارت إلى تراوح الكميات بين 30 و50 مليمتراً، وقد تصل محلياً إلى 70 ملم. كما حذرت النشرة من تساقط كثيف للبرد، وظهور الصواعق، وهبوب رياح قوية تتجاوز 90 كيلومتراً في الساعة.

تواصل التقلبات يوم الثلاثاء

وفق نفس المصدر، من المنتظر أن تتواصل هذه الأمطار يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، خاصة في ولايات الشمال والوسط. وستكون الأمطار مؤقتاً رعدية، ومحلياً غزيرة في فترات ما بعد الظهر. وهو ما يستوجب مزيداً من الحذر من قبل المواطنين والفلاحين على حد سواء.


تبقى غسالة النوادر جزءاً من ذاكرة التونسيين وعلامة فارقة في تقويمهم الفلاحي. فهي تحمل الخير والبركة للتربة والزراعة، لكنها في الوقت نفسه قد تشكل خطراً على المدن والمناطق المنخفضة بسبب السيول. وبين هذا وذاك، يظل وعي المواطنين والتزامهم بالإرشادات الرسمية عاملاً أساسياً للتقليل من المخاطر والاستفادة القصوى من هذه الأمطار المباركة.

تعليقات