لم يعد ما جرى في كواليس الترجي الرياضي مجرد إشاعات عابرة، بل تحول إلى قضية رأي عام كروي بعد أن تم تداول تسريبات صوتية في منصات التواصل الاجتماعي، تضمنت نقاشات غامضة واستفسارات عن صفقات وتثبيت بعض اللاعبين، إلى جانب تلميحات حول تدخلات أشخاص لا يحملون أي صفة رسمية داخل النادي. ورغم أن هذه الأسماء ليست جزءاً من الهيكل الإداري المعلن، فإن جماهير الترجي والمقرّبين من الكواليس يدركون أن لبعضهم تأثيراً كبيراً في القرارات منذ سنوات.
هذه التسريبات فجرت حالة من الغليان الجماهيري، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات مؤرقة: كيف تتم الصفقات داخل الترجي؟ ولماذا يتمسك النادي بلاعبين لم يثبتوا جدارتهم رغم تكرار الفرص، بينما يتم تهميش أسماء واعدة مثل بوزيان والموحلي؟ وهل يعكس ذلك خللاً في التسيير أم نفوذاً موازياً يتغلغل في دوائر القرار؟
التسريبات: أصوات من وراء الستار
ما سُرّب لم يكن مجرد محادثات شخصية، بل تضمن إشارات إلى صفقات بعينها وطلبات عمولات من أطراف محسوبة على محيط الترجي. بعض هذه الأصوات نسبت إلى وكلاء لاعبين تحوم حولهم الشبهات، وآخرين يزعم أنهم يمارسون ضغطاً على المدربين والإدارة الفنية لفرض خيارات معينة.
هذه المعطيات، وإن لم يتم التحقق منها رسمياً بعد، إلا أنها عمّقت إحساس الجماهير بوجود تلاعب خفي بمصير الفريق، وأثارت مخاوف حقيقية حول العدالة في الاختيارات الفنية وحول مستقبل اللاعبين الشبان الذين وجدوا أنفسهم ضحايا إقصاء غير مبرر.
إدارة الترجي أمام منعرج حاسم
المعلومات التي بلغ صداها إلى حمدي المدب رئيس النادي، وضعت الإدارة في موقف لا تحسد عليه. فهي اليوم مطالبة بالاختيار بين خطين: إما مواجهة النفوذ الموازي وقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، أو التواطؤ بالصمت وهو ما قد يؤدي إلى انفجار جماهيري غير مسبوق.
الكواليس تشير إلى أن المدب ومعه كل من المدير الرياضي يزيد المنصوري والمدرب ماهر الكنزاري باتوا يدركون أن استمرار الوضع الحالي يعني انزلاق الفريق نحو مزيد من الفوضى. وبالتالي فإن الأيام القادمة قد تحمل قرارات صارمة لإعادة ضبط الصلاحيات وحماية النادي من عبث الصفقات المشبوهة.
الأضواء الحمراء: مؤشرات الأزمة
هذه التسريبات لم تكشف فقط عن محادثات جانبية، بل أشعلت الأضواء الحمراء داخل الترجي. فقد أصبح واضحاً أن مقاييس الاختيار في الفريق لم تعد شفافة، وأن بعض العناصر تحتفظ بمكانها رغم غياب الإضافة، بينما يدفع آخرون ثمن التهميش أو الإعارة بلا سبب واضح.
اللافت أن هذه الأوضاع تتزامن مع محاولات لإعادة هيكلة الإدارة الفنية للشبان عبر استقدام كفاءات فرنسية جديدة، غير أن التسريبات كشفت عن عراقيل تعترض عملهم، وكأن هناك من يسعى لعرقلة الإصلاح منذ بدايته.
بين الجماهير والإدارة: ثقة على المحك
تاريخ الترجي حافل بالإنجازات، لكنه أيضاً مليء بلحظات التوتر بين الجماهير والإدارة. واليوم، تبدو العلاقة على المحك من جديد. فالجماهير التي ملّت من الصمت على ما يجري خلف الكواليس قد تتحول إلى قوة ضغط لا يمكن تجاهلها، خاصة إذا شعرت أن رئيس النادي يتقاعس عن اتخاذ خطوات حاسمة.
بعض المجموعات عبرت بالفعل عن سخطها عبر منصات التواصل، محذرة من أن الصبر بدأ ينفد، وأن أي استمرار في تجاهل هذه الإشارات قد يؤدي إلى احتجاجات في الملاعب وخارجها.
تحليل: هل الترجي ضحية النفوذ الخفي؟
من الناحية التحليلية، يمكن القول إن الأزمة الحالية تكشف عن إشكالية أعمق تتجاوز مجرد تسجيلات مسرّبة. إنها تعكس صراعاً بين مؤسسات النادي الرسمية ونفوذ الكواليس الذي تشكّل على مدار سنوات. هذا النفوذ غالباً ما يجد بيئة خصبة في الأندية الكبرى حيث تتداخل المصالح بين رجال الأعمال، وكلاء اللاعبين، والمدربين.
المشكل الأساسي أن هذه التدخلات تضرب مبدأ تكافؤ الفرص داخل الفريق، وتعيق بروز المواهب الحقيقية التي تحتاج فقط إلى مناخ شفاف لإثبات قدراتها. كما أن استمرارها قد يؤدي إلى فقدان النادي لصورته كقوة كروية منضبطة ومبنية على أسس الاحتراف.
دروس من تجارب أندية أخرى
ما يحدث في الترجي ليس استثناءً في كرة القدم العربية أو العالمية. العديد من الأندية الكبرى عانت من تدخلات النفوذ الموازي سواء من جماعات الضغط، وكلاء اللاعبين أو حتى رجال السياسة. الفرق الناجحة هي تلك التي تمكنت من فرض الانضباط عبر مؤسسات قوية وشفافة، تضع مصلحة الفريق فوق كل اعتبار.
لذلك، فإن الترجي اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة قواعد اللعبة داخله: فصل واضح بين الأدوار، ضبط الصلاحيات، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في العبث بسمعة النادي ومصالحه.
القرارات المنتظرة: إلى أين يتجه المدب؟
كل الأنظار متجهة نحو حمدي المدب. فالرجل، المعروف بعشقه الكبير للترجي واستثماره في استقراره، بات اليوم مطالباً باتخاذ قرارات مصيرية تقطع مع حالة الفوضى، وتعيد الثقة للجماهير.
القرارات قد تشمل:
- ضبط الصلاحيات بوضوح في فرع كرة القدم.
- مراجعة العقود والصفقات الأخيرة.
- فتح تحقيق داخلي حول شبهات التدخلات.
- دعم الكفاءات الفنية الجديدة وحمايتها من العراقيل.
- اعتماد الشفافية في التعاقدات مع اللاعبين والمدربين.
رأي الجماهير: ما بين الغضب والأمل
منصات التواصل الاجتماعي امتلأت بالتعليقات الساخطة من جماهير الترجي، حيث وصف البعض ما يحدث بـ"الفضيحة الإدارية" التي يجب أن تُعالج فوراً، فيما رأى آخرون أن هذه التسريبات قد تكون فرصة لتطهير النادي من النفوذ الخفي الذي أثقل كاهله لسنوات.
بعض المشجعين عبّروا عن قلقهم من استمرار الصمت، معتبرين أن التراخي في مواجهة هذه الأزمة قد يدفع إلى مقاطعة المباريات أو تنظيم احتجاجات جماهيرية كبرى. في المقابل، ظهرت أصوات أكثر تفاؤلاً ترى أن حمدي المدب لن يسمح باستمرار العبث، وأن الأيام القادمة ستكشف عن قرارات ثورية تعيد للنادي هيبته.
هكذا، يتأرجح الرأي العام بين الغضب والأمل، في انتظار لحظة الحسم التي قد تحدد ملامح مستقبل الترجي الرياضي التونسي لعقود قادمة.
ما بعد التسريبات
التسريبات الصوتية ليست مجرد حادث عرضي، بل جرس إنذار قوي يفرض على إدارة الترجي إعادة النظر في أسلوب إدارتها. إما أن يخرج النادي من هذه الأزمة أقوى وأكثر صلابة، أو يترك المجال لمزيد من الفوضى التي قد تضعف مكانته محلياً وقارياً.
في النهاية، يبقى الترجي الرياضي مؤسسة رياضية عريقة لا يليق بها أن تكون رهينة نفوذ أشخاص يتحركون في الظل. المسؤولية اليوم على الإدارة والجماهير معاً، لضمان أن يبقى النادي وفياً لتاريخه العريق وقيمه الرياضية الأصيلة.