الرياضة تحت ضغط الشتائم: مقاطع "خط التماس" تكشف الوجه المظلم للملاعب التونسية

فوزي البنزرتي و ماهر الكنزاري


لقطة قصيرة على شاشات التلفزة قد تكشف عن مشهد أكبر: مشاهد من سباب، عبارات مسيئة، ولفظ "سب الجلالة" التي تكررت ليست كحادث معزول بل كإشارة لظاهرة بدأت تأخذ مكانها في أرض الملعب. في هذا التقرير الموسع نحلل جذور المشكلة، نسرد أمثلة بارزة، نقيّم تأثيرها على الجمهور والناشئين، ونقترح آليات عملية لوقفها.

لمحة ابتدائية: عندما تكون الكاميرا شاهدة

في أسابيع قليلة، انتشرت على منصات التواصل ولقطات تلفزية مشاهد أظهرت مدربين بارزين في الدوريات التونسية يستخدمون ألفاظًا نابية أو يوجهون انتقادات بلغت أحيانًا حد الإهانة تجاه لاعبين أو حكّام وحتى مشاهير على مستوى رمزي. واحدة من اللقطات الأخيرة التي أثارت جدلاً واسعًا كانت للحظة بين مدرب الترجي وما يُنسب إليه من تعبيرات وتهجّم لفظي على لاعب الفريق خلال مقابلة تليفزيونية بعد مباراة، وهي لقطة اعتبرها كثيرون "القطرة التي أفاضت الكأس" بعد تكرار سلوكيات مشابهة سابقة. 

لماذا تهمنا كاميرا البثّ المباشر؟

لأن المباريات التي تُبث مباشرة تصل لشرائح عمرية مختلفة  من أطفال يتابعون قدوتهم إلى بالغين يعيدون نشر اللقطات فلكل ما يُبث أثر تكاثري. صورة المدرب وهي تتضمن إساءة تصبح عبر دقائق "مادة تعليمية" سيئة للأجيال الناشئة، وهذا ما يجعل الموضوع تحديًا أخلاقيًا واجتماعيًا، لا مجرد خطأ انفعالي نابع من توتر المنافسة.

حالات بارزة: من هم الأسماء المطروحة في الجدل؟

لا نهدف في هذا التقرير إلى "اجتثاث" شخصيات بعينها، لكن عند الحديث عن الظاهرة يجب الإشارة إلى أمثلة أثارت ردود فعل قوية: لقطة لمدرب الترجي ضد أحد لاعبيه أثارت مطالبات بالحضور أمام مكاتب الرابطة، بينما تُنسب لسلوك آخرين تصريحات وصور على وسائل التواصل تُظهر تلفّظًا بعبارات مسيئة ولا سيما تجاه رموز دينية أو فئات مجتمعية. هذه الوقائع تكررها صفحات ومنصات مختلفة ما يجعلها جزءًا من نقاش عام لا يمكن تجاهله. 

الحالة الأولى: لقطة ماهر الكنزاري وشهاب الجبالي

مشهد احتدّ خلال لقاء تليفزيوني مع مدرب نادي الترجي وردُّه على لاعب الفريق بعد تغييرات أو منعطف في مجريات المباراة أشعل تعليقات الجماهير ووسائل التواصل في تونس. الموقف لم يقتصر على لحظة غضب عابرة بحسب تدوينات ومشاركات نشرت صورًا ومقاطع للواقعة، بل تم تكرار ذكر السلوك كجزء من تاريخ من اللقطات المثيرة للجدل مع نفس المدرب في مناسبات سابقة بحسب متابعات الشبكات. 

الحالة الثانية: اتهامات متكررة لفوزي البنزرتي

اسم فوزي البنزرتي مرتبط لدى قطاعات واسعة من الجمهور بإنجازات فنية كبيرة وإنه سجل مهنيًا ثريًا، لكن في المقابل ظهرت على منصات ومشاركات اجتماعية لقطات ونقاشات تُشير إلى تلفظاته بشتائم مهينة ووصل الأمر في بعض المنشورات إلى اتهامات باستخدام عبارات جدّ حساسة ومسيئة. التناقض بين الكفاءة التدريبية واللغة المستخدمة خلق حالة انقسام: احترام إنجازات فنية مقابل رفض حاد لأسلوب التعبير الذي بات يُنظر إليه كـ"عادي" لدى البعض وهو ما رفضه آخرون بقوة. 

الملاحظة الأهم: وجود إنجازات وسمعة فنية لا يعفي أحدًا من السؤال الأخلاقي حول سلوكياته العامة وتأثيرها على المنظومة الرياضية.

تحليل الأسباب: لماذا يتصاعد العنف اللفظي في ملاعبنا؟

لا يمكن ربط الظاهرة بعامل واحد؛ بل هي نتاج تراكب اجتماعي ونفسي وإداري. فيما يلي أهم الأسباب التي رصدناها بعد مقابلات مع مشاهدين، مطالبات أندية، وتعليقات على منصات التواصل:

1 — ضغوط النتائج والتوقعات

كرة القدم اليوم سوق ضاغط: جماهير تطالب بالنتائج، إدارة تضغط لتحقيق الانتصارات، ومؤسسات إعلامية تراقب كل تفصيل. المدرب الذي يشعر بأن مستقبله معرض للخطر قد يندفع لتعابير قوية تعكس توتره. لكن هذا لا يبرر الإساءة؛ إنما يفسرها كعرض لتوتر فاشٍ في غياب آليات رقابية فعّالة.

2 — غياب عقوبات رادعة واضحة وموحَّدة

في كثير من الحالات تظلّ العقوبات المتخذة سطحية أو تأجيلية، وهو ما يفسح المجال لتكرار السلوك. مطالبة الروابط والأندية والاتحاد بمقاربة موحدة وحازمة أصبحت ضرورة أساسية لوقف التصعيد. بالفعل، دعا بعض الفاعلين إلى استدعاء المتورطين أمام مكتب الرابطة وإحالتهم على لجان التأديب. 

3 — ثقافة "التسامح" مع الألفاظ في بعض الأوساط

هناك من يبرر الألفاظ ويقلّل من شأنها بالقول إنها "جزء من اللعبة" أو "انفعال عابر". هذه النظرة تقلّل من أهمية الدرس التربوي الذي تعطيه لغة القائد أمام جمهوره ولاعبيه؛ فالقائد الذي يهين في العلن يعطي نموذجًا سلبيًا يُحتذى.

4 — تأثير منصات التواصل وانتشار اللقطات

سابقًا، لو بقيت الحادثة بين جدران الملعب ومحبي الفريق، لكن اليوم الكاميرات ومنصات النشر تجعل من كل لحظة مادة إعلامية تنتشر بسرعة. لذلك السلوك الفردي يتحول إلى مشكلة عامة في دقائق.

الأثر المجتمعي والرياضي: لماذا هذه القضية مهمة للجميع؟

العنف اللفظي في الملاعب لا يضرّ اللاعب أو المدرب فحسب، بل يضع صورة الرياضة بأكملها في موقف محرج أمام الجمهور المحلي والدولي. خصوصًا عندما تُبث مباريات الرابطة المحترفة الأولى على شاشات وطنية وإقليمية، فإن اللقطات السلبية تنتقل خارج الحدود وتلحق ضررًا بسمعة كرة القدم التونسية. 

أثر على الناشئين

الأطفال والمراهقون الذين يتابعون مباريات فرقهم المفضلة يتعلمون ليس من التكتيك الرياضي فقط، بل من لغة وذوق قادتها. عندما يرى الشاب أن "التلفظ النابي" مقبول لكونه صادر عن شخصية مرموقة، يفقد القيَم الأساسية للرياضة: الاحترام، التسامح، والتحكم في الانفعالات.

أثر على صورة الأندية والرعاة

الرعاة يقيّمون قيمة شراكاتهم بناءً على تصویر العلامة التجارية؛ لقطات مسيئة قد تدفع بعض الرعاة لإعادة التفكير في دعمهم، والأندية نفسها قد تدفع ثمناً جمهورياً وإعلامياً لغياب ضبط السلوك.

المقترحات والحلول: كيف نضع حدًّا لهذه المهزلة؟

في ضوء ما تقدم، تبدو الحاجة ملحّة إلى تبنّي خطة وطنية متعدّدة الأوجه تجمع بين تشريعٍ تأديبي وتكوينٍ توعوي. إليكم مجموعة من التدابير المقترحة، عملية وقابلة للتنفيذ:

1 — سنّ عقوبات تأديبية صارمة وواضحة

على الجامعة التونسية لكرة القدم والهيئات المشرفة وضع لائحة سلوك واضحة تتضمّن عقوبات مالية وإيقافات زمنية وحتى إنهاء عقود في الحالات المتكررة، بغض النظر عن اسم المدرب أو حجم النادي. التطبيق الحازم والعلني للعقوبات هو عنصر ردعي ضروري. (مثال: استدعاء أي مدرب يتلفظ بعبارات مسيئة أمام الكاميرا للمثول أمام مكتب الرابطة واتخاذ إجراءات تأديبية). 

2 — برامج تكوينية وأخلاقية إلزامية للمدربين

إدراج دورات أخلاقية واتصالية في برامج ترخيص المدربين؛ دورات تُعنى بالقيادة التربوية، إدارة الضغوط، والتواصل الإعلامي. مثل هذه الدورات يجب أن تكون شرطًا لتجديد الرخصة ومشترطًا لأي عمل في أندية الرابطة.

3 — حملات توعية تستهدف الجماهير واللاعبين

حملات تلفزيونية ورقابية عبر شاشات المباريات ومواقع الأندية تذكّر بالقيم الرياضية وأثر اللغة على المجتمع. إشراك نجوم سابقين وقيادات رياضية بارزة قد يزيد من قوة الرسالة.

4 — آليات للإنذار والتدخل الفوري خلال النقل المباشر

اتفاق مع محطات النقل التلفزيونية والبث المباشر على آلية إيقاف أو إظهار لافتة تحذيرية عندما تتجاوز لغة الملعب حدها؛ كما يمكن لفرق البث الإعلامي التعاون مع لجان الرابطة لإحالة لقطات فورية للهيئة التأديبية.

5 — دعم نفسي واجتماعي للمدربين واللاعبين

توفير خدمات استشارية لمعالجة ضغوط الأداء، يساعد كثيرًا في تقليل حالات الانفعال الشديد التي تتحول إلى إساءات لفظية. الرياضيون والمدربون بشر قبل كل شيء، والرعاية النفسية الاحترافية جزء من منظومة الاحتراف.

نماذج إيجابية: من يجسد الاحترافية والاحترام؟

لا نغفل أن هناك أسماء في المشهد التونسي تفرضها أخلاقها قبل تكتيكاتها. المدربون الذين يُعرف عنهم دماثة الخُلق والتعامل الراقي مع اللاعبين والجماهير يستحقون التقدير لأنهم يقدمون نموذجًا يحتذى به. أمثلة يمكن ذكرها والتي ذُكرت في النقاش العام لمدربين يتمتعون بالاحترام والأخلاق العالية تشمل أسماء معروفة في الوسط المحلي لالتزامها بالسلوك المهني. مثل هذه النماذج يجب أن تُسلَّط عليها الأضواء وتُمنح جوائز تميّز سلوكية لتشجيع ثقافة إيجابية.

على سبيل المثال ذُكرت أسماء مثبتة في الساحة التونسية لأسلوبها الراقي في التعامل مع اللاعبين والوسط الرياضي، ما يبيّن أن الظاهرة ليست عامة وأن هناك من يُحافظ على المعايير الأخلاقية. (ذكر أمثلة محددة في سياق محلي يعزز النقاش ويمنع التعميم).

نداء إلى الجهات المختصة: الجامعة، الأندية، والإعلام

هذا التقرير يوجّه نداءً واضحًا ومباشرًا: على الجامعة التونسية لكرة القدم ومصالح الرقابة أن تتحرك بسرعة وتضع نظامًا صارمًا لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق كل من يثبت تورّطه في شتائم وإساءات داخل أرض الملعب أو أمام الكاميرات، بغض النظر عن مكانته أو فريقه. إن انتظار اجتياح الرأي العام قبل التحرك يعني تأجيل الحل وترك الأطفال يتربّون على صور سلبية. بالفعل شهدت منصات التواصل مطالبات باستدعاءات وإجراءات رسمية تجاه حالات أثارتها اللقطات، وهو مؤشر لا يمكن تجاهله. 

لا يوجد اسم أو لقب درعًا يحمي أحدًا من مساءلة أخلاقية؛ الرياضة تبدأ وتنتهي بالقيم.

خاتمة: بين الغضب والمسؤولية

ما بدأ كلقطة مفردة على شاشة أصبح جرس إنذار: إذا لم تتخذ إجراءات واضحة، فإن اللغة المسيئة قد تصبح جزءًا من الثقافة الظاهرة في الملاعب، وهو ما لن يضر الرياضة فحسب بل سيؤثر في نسيج المجتمع. من جهة أخرى، يتوجب الاعتراف أن بعض المدربين يستحقون الاحترام لمواقفهم ومهنيتهم؛ لذلك الحل ليس مطاردة أسماء، بل بناء نظام متوازن تشريعي، تكويني، وتوعوي يحمي قيم اللعبة ويعيد للملعب هيبته التربوية.

نختتم بنداء عملي: مدرسة أخلاقية للمدربين، لائحة تأديبية واضحة، وبرنامج إعلامي توعوي يشترك فيه الاتحاد، الأندية، ووسائل الإعلام. هذا المزيج هو الطريق الأمثل لإطفاء شرارة الشتائم وإعادة الكرة التونسية إلى المسار المحترم الذي يستحقه جمهورها العريض.

تعليقات