تشهد تونس منذ أيام أزمة حادّة في التيار الكهربائي، تزامنت مع موجة حرّ غير مسبوقة تجاوزت فيها درجات الحرارة الأربعين درجة مئوية في معظم الولايات، ما أدى إلى ضغط شديد على الشبكة الوطنية للكهرباء.
ارتفاع استهلاك الكهرباء بسبب المكيفات
دفعت درجات الحرارة القياسية عدداً كبيراً من التونسيين إلى استعمال المكيّفات بشكل مكثف، مما تسبب في ارتفاع غير مسبوق في الطلب على الكهرباء. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن عدد المكيّفات في البلاد بلغ قرابة 2 مليون وحدة سنة 2023، مقابل 8 آلاف فقط عام 1984.
غضب شعبي على مواقع التواصل
عبّر عدد كبير من المواطنين عن استيائهم من الانقطاعات المتكررة للكهرباء عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفوا الأوضاع بـ"الكارثية"، مشيرين إلى أن مصالحهم تضررت بشكل مباشر، خاصّة مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير معتادة.
شركة "الستاغ" تبرر وتوضح
في بيان رسمي، أوضحت الشركة التونسية للكهرباء والغاز (STEG) أن قطع التيار لا يعود إلى أعطال فنية، بل هو إجراء استباقي تم اتخاذه على المستوى الوطني لتفادي انهيار كلي في الشبكة الكهربائية (Blackout). وذكرت الشركة أن البلاد سجلت ذروة استهلاك استثنائية شملت أغلب الولايات.
ووجّهت "الستاغ" نداءً إلى المواطنين بضرورة تفهّم هذا الظرف الطارئ والتعاون من خلال ترشيد استهلاك الكهرباء خلال فترات الذروة.
تصريحات رسمية: انقطاعات محدودة لحماية الشبكة
من جهته، صرّح منير الغابري، مدير إدارة العلاقات مع المواطن بالشركة، يوم الخميس 24 جويلية 2025، بأن الانقطاعات الأخيرة كانت محدودة في المدة، وتهدف إلى حماية منظومة الكهرباء من الانهيار، مؤكداً أنّ الجهود متواصلة لتقليص الانقطاعات قدر الإمكان.
تطوّر استهلاك الكهرباء في تونس
أظهرت بيانات رسمية أن شهر يوليو من كل عام يشهد أعلى نسب استهلاك للكهرباء، وذلك بسبب الاستعمال المكثف لأجهزة التكييف في فصل الصيف. وقد بلغ إنتاج الكهرباء في تونس حوالي 7065 جيغاواط/ساعة مع نهاية ماي 2025، تغطي منها البلاد 86% من حاجياتها عبر الإنتاج المحلي، بينما يتم استيراد 14% من الجزائر وليبيا.
ما هي آلية تخفيف الأحمال؟
تعتمد السلطات التونسية في مثل هذه الأوقات على آلية "تخفيف الأحمال"، وهي عملية مقصودة لقطع التيار الكهربائي مؤقتاً وبالتناوب عن مناطق غير حساسة، بهدف تخفيف الضغط عن الشبكة الكهربائية. وتُستثنى من هذه العملية المناطق الحيوية كالمستشفيات والبنى التحتية والمؤسسات السيادية.
وتعد هذه الآلية بمثابة صمام أمان يمنع حدوث انهيار شامل للشبكة كما حدث في عام 2023، حين غرقت البلاد في ظلام دامس بسبب عطل فني كبير.
حرائق وانقطاعات المياه بسبب الحرارة
الإثنين الماضي، تسبب ارتفاع درجات الحرارة في نشوب حريق بالمحول الكهربائي بمحطة ضخ المياه بغدير القلة، ما أدى إلى قطع المياه لساعات عن منطقة تونس الكبرى التي تضم أربع ولايات.
الخبراء يحذرون: القبة الحرارية وراء الأزمة
أوضح الخبير في المناخ حمدي حشاد أن تونس، كغيرها من دول شمال إفريقيا، تشهد تأثير "القبة الحرارية"، وهي ظاهرة مناخية نادرة تكررت بشكل مقلق نتيجة التغير المناخي. وأكد أن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة يشكل ضغطاً كبيراً على شبكة الكهرباء الوطنية.
وسجّلت "الستاغ" في جويلية 2023 رقماً قياسياً للطلب على الكهرباء بلغ 4694 ميغاواط، في ظل موجة حرّ مماثلة.
درجات حرارة قياسية في جويلية 2025
تجاوزت درجات الحرارة هذا الأسبوع حاجز 40 درجة مئوية في معظم المدن، وبلغت 48 درجة في ولايتي القيروان وتوزر، و47 درجة في مدنين. كما سجلت ولايات قبلي وقابس وتطاوين 46 درجة، بينما شهدت باجة وسيدي بوزيد وقفصة 45 درجة.
ووفق المعهد الوطني للرصد الجوي، تُعد هذه الأرقام من بين الأعلى منذ سنوات، ما يعزز المخاوف بشأن تأثير التغيرات المناخية المتسارعة.
دعوات لاعتماد حلول طاقية بديلة
يحثّ خبراء المناخ الحكومة على اعتماد حلول بديلة للحدّ من استهلاك الكهرباء، كالتوسع في الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، خاصة مع توقّع استمرار التأثيرات المناخية على المنطقة مستقبلاً.