قناديل البحر 'الحريقة' تغزو الشواطئ التونسية مبكرًا هذا الصيف.. فما الأسباب؟

قناديل البحر الحريقة


شهدت عدة شواطئ تونسية منذ مطلع شهر جوان 2025 انتشارًا مبكرًا وملحوظًا لقناديل البحر، أو ما يعرف محليًا باسم الحريقة. ويعتبر هذا الظهور المبكر سابقة غير معتادة، إذ اعتاد المصطافون ملاحظة هذه الكائنات البحرية في أواخر شهر أوت وبداية سبتمبر، أي مع اقتراب نهاية الموسم الصيفي. هذا التغير أثار الكثير من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته على النشاط السياحي والصحي والبيئي في تونس.

التحولات المناخية وراء الانتشار المبكر

ياسين رمزي الصغير، الخبير في البيولوجيا البحرية، أكد في تصريح إذاعي أن التغيرات المناخية التي يشهدها البحر الأبيض المتوسط هي العامل الرئيسي وراء هذه الظاهرة. حيث ارتفعت درجة حرارة المياه إلى مستويات تعد من بين الأعلى مقارنةً بالمحيطات الأخرى، وهو ما يخلق بيئة مثالية لتكاثر قناديل البحر. فهذه الكائنات البحرية حساسة جدًا للتغيرات الحرارية، وتتكاثر بسرعة في المياه الدافئة التي توفر لها ظروفًا ملائمة للبقاء.

وتُشير بيانات الأرصاد البحرية إلى أن المتوسط يشهد في السنوات الأخيرة موجات حر بحرية غير مسبوقة، جعلت منه منطقة أكثر عرضة لتكاثر الأنواع الغازية وظهور أعداد مضاعفة من القناديل مقارنة بما كان مسجلاً في السابق.

التلوث البحري يوفر بيئة خصبة

لا يقتصر السبب على الحرارة فحسب، بل إن التلوث البحري يلعب دورًا أساسيًا أيضًا. فقد أوضح الصغير أن المخلفات الكيميائية والعضوية التي تنتهي في البحر تشكل مصدرًا غذائيًا غنيًا لقناديل البحر وبيضها. وهذا ما يعزز فرص التكاثر ويرفع من عددها في مناطق ساحلية تعاني من ضعف الرقابة البيئية.

في هذا السياق، يرى العديد من النشطاء البيئيين أن مشكل الصرف الصحي المباشر في بعض المدن الساحلية وتراكم النفايات البلاستيكية يعمّق من الأزمة، إذ يضعف النظام البيئي ويمنح أفضلية للكائنات الغازية مثل قناديل البحر على حساب الأنواع المحلية.

الصيد الجائر يخلّ بالتوازن البيئي

أشار الخبير البحري كذلك إلى أن الصيد الجائر يعد من بين العوامل الإضافية التي ساعدت على تفاقم الظاهرة. ذلك أن أنواعًا بحرية مهمة مثل السلاحف البحرية وبعض الأسماك المفترسة التي تتغذى عادة على قناديل البحر تراجعت أعدادها بشكل كبير. هذا التراجع أحدث خللاً في التوازن البيئي داخل المنظومة البحرية التونسية، مما سمح للقناديل بالانتشار دون رقيب طبيعي يحدّ من أعدادها.

وبحسب تقارير منظمات بيئية، فإن تراجع أعداد السلاحف البحرية يعود أيضًا إلى شباك الصيد غير القانونية، إضافة إلى التلوث البلاستيكي الذي يعيق قدرتها على العيش والتكاثر.

أنواع متعددة وخطورة متفاوتة

يوضح الصغير أن السواحل التونسية تستضيف حاليًا أنواعًا متعددة من القناديل. من بينها نوع كبير الحجم يتميز بلون أزرق لافت للنظر. ورغم مظهره المثير للخوف، إلا أن هذا النوع غير سام ولا يشكل خطورة مباشرة على الإنسان. بالمقابل، تنتشر أنواع أخرى أصغر حجمًا لكنها أكثر ضررًا، حيث تسبب لسعاتها إحساسًا شديدًا بالحرق عند ملامسة الجلد.

هذا التنوع في الأنواع يجعل الوضع أكثر تعقيدًا، إذ لا يمكن للمصطافين التمييز بسهولة بين القناديل السامة وغير السامة، ما يفرض على الجميع الحذر وعدم الاقتراب من أي قنديل سواء كان كبيرًا أو صغيرًا.

تأثيرات على السياحة الساحلية

مع بداية الموسم الصيفي وتزايد الإقبال على الشواطئ، يشكل هذا الظهور المبكر تهديدًا مباشرًا على النشاط السياحي. فالقناديل تثير الذعر بين المصطافين وتقلل من إقبال العائلات على السباحة في البحر. وفي حالات كثيرة تسجل المستشفيات المحلية ارتفاعًا في عدد الإصابات الناجمة عن لسعات القناديل، وهو ما يضاعف الضغط على المرافق الصحية الساحلية.

في المقابل، ترى بعض الجمعيات البيئية أن هذه الأزمة قد تكون فرصة لدفع السلطات إلى تعزيز برامج التوعية، وتركيز نقاط إسعاف أولي مجهزة على الشواطئ، إلى جانب تنويع العروض السياحية بعيدًا عن البحر مثل السياحة الجبلية والبيئية.

نصائح للمصطافين

ينصح الأطباء وخبراء البيئة المصطافين في هذه الفترة بضرورة توخي الحذر والابتعاد عن المناطق التي تشهد كثافة واضحة للقناديل. وفي حال التعرض للسعة، يجب شطف الجلد بماء البحر (وليس بالماء العذب) لتجنب تنشيط السموم، مع استخدام كمادات باردة وتجنب حك المنطقة المصابة. كما يُفضل التوجه إلى أقرب مركز صحي في حال استمرار الألم أو ظهور أعراض قوية.


يظل ظهور قناديل البحر ظاهرة طبيعية مرتبطة بالتغيرات البيئية والمناخية، لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر حدة وأسرع ظهورًا. في تونس، يمثل هذا التحدي اختبارًا جديدًا للقدرة على حماية البيئة البحرية وضمان سلامة المصطافين وديمومة النشاط السياحي. وبينما يرى البعض في هذه الظاهرة تهديدًا للصيف التونسي، فإنها تذكير واضح بضرورة إعادة النظر في سياسات الصيد، الحد من التلوث، والالتزام بحماية التوازن البيئي في البحر الأبيض المتوسط.

تعليقات