يشهد القطاع الفلاحي في تونس خلال صائفة 2025 تطورًا لافتًا على مستوى موسم الحصاد، حيث أعلن عز الدين شلغاف، المدير العام للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، أن نسبة تقدم عملية الحصاد بلغت نحو 85% على المستوى الوطني. هذا الرقم يعكس حجم الجهود المبذولة من طرف الفلاحين والدولة رغم الصعوبات المناخية والتنظيمية التي عرفتها البلاد في الأشهر الماضية.
حصيلة أولية: أكثر من 10 ملايين قنطار مجمعة
وفقًا للتصريحات الرسمية، بلغت الكميات المجمعة حتى يوم السبت 12 جويلية حوالي 10,320 مليون قنطار. وتتوزع هذه الكميات بين 570 ألف قنطار من البذور الممتازة المخصصة للإكثار، و9,75 مليون قنطار من الحبوب الموجهة للاستهلاك المباشر. هذه الأرقام تبرز التوازن بين ضمان بذور عالية الجودة للمواسم المقبلة وتوفير كميات كافية من الحبوب لدعم حاجيات السوق الداخلية.
تمديد الآجال الخاصة بالمنحة الاستثنائية
في خطوة لدعم الفلاحين المتضررين من الأمطار الأخيرة، قررت وزارة الفلاحة تمديد آجال الانتفاع بمنحة التسليم السريع للشعير إلى غاية يوم الثلاثاء 15 جويلية 2025. هذا القرار سيسمح للفلاحين ببيع محاصيلهم إلى مراكز التجميع والاستفادة من المنح المالية، ما يخفف عنهم الأعباء ويعزز قدرتهم على مواجهة التحديات المناخية.
إنتاج قياسي يتجاوز المعدلات السنوية
بحسب معطيات وزارة الفلاحة، بلغ الإنتاج الوطني من الحبوب حوالي 20 مليون قنطار خلال هذا الموسم، مقابل معدل سنوي لا يتجاوز 16 مليون قنطار في السنوات السابقة. هذا الفارق الإيجابي يعكس نجاح الموسم الحالي رغم موجات الجفاف التي عرفتها بعض المناطق وتقلبات الطقس المتكررة. كما أكدت الإدارة العامة لديوان الحبوب أن الأمطار الأخيرة لم تؤثر على جودة المحصول، حيث كانت محدودة في الزمن والكمية.
إجراءات استباقية لحماية المخزون الوطني
في ظل المخاوف من تأثير التقلبات الجوية، كثفت وزارة الفلاحة وديوان الحبوب إجراءاتها الوقائية لضمان حماية المخزون الوطني. وقد شملت هذه الإجراءات تعزيز المراقبة، توفير وسائل التخزين الحديثة، وتعبئة مختلف المتدخلين في القطاع لضمان سرعة التدخل عند الضرورة. كما عبّر ديوان الحبوب عن امتنانه للسلط الجهوية والمحلية والأمنية والشركات التعاونية والمجمعين الخواص على مساهمتهم الفعالة في حماية المحصول الوطني.
تحديد الأسعار الرسمية للحبوب
أصدرت الحكومة التونسية الأمر عدد 344 لسنة 2025 المتعلق بتحديد أسعار الحبوب للموسم 2025-2026. وقد تم ضبط الأسعار على النحو التالي:
- 100 دينار للقنطار من القمح الصلب.
- 80 دينارًا للقنطار من القمح اللين.
- 65 دينارًا للقنطار من الشعير والتريتيكال (سعر التدخل).
هذه التسعيرة تهدف إلى تحقيق توازن بين مصالح الفلاحين من جهة وحاجيات المستهلك والسوق الوطنية من جهة أخرى، في ظل ارتفاع أسعار الحبوب عالميًا.
منح استثنائية لدعم الفلاحين
إضافة إلى تحديد الأسعار، أقرت الحكومة منحًا استثنائية للتسليم السريع، وذلك على النحو التالي:
- 40 دينارًا للقنطار من القمح الصلب.
- 30 دينارًا للقنطار من القمح اللين.
- 25 دينارًا للقنطار من الشعير والتريتيكال.
كما أُقرت منح خاصة بديوان الحبوب والمجمعين لتغطية تكاليف التخزين والصيانة، في محاولة لدعم سلسلة الإنتاج كاملة من الفلاح وصولاً إلى المستهلك النهائي.
انعكاسات إيجابية على الأمن الغذائي
الإنتاج القياسي والإجراءات الحكومية المصاحبة له سيكون لهما أثر مباشر على الأمن الغذائي الوطني. فمن جهة، سيساهم توفر الحبوب بكميات كبيرة في تقليص حجم التوريد من الخارج وبالتالي تخفيف الضغط على ميزانية الدولة. ومن جهة أخرى، فإن المنح الاستثنائية ستمنح للفلاحين قدرة أكبر على الاستثمار في تقنيات الإنتاج الحديثة وتحسين مردوديتهم مستقبلاً.
تطلعات الفلاحين وتحديات المستقبل
رغم الإيجابيات المسجلة هذا الموسم، يواصل الفلاحون مطالبتهم بمزيد من الدعم، خاصة فيما يتعلق بتوفير التجهيزات الحديثة للري ومقاومة الآفات الزراعية، بالإضافة إلى الحاجة إلى آليات تمويل مرنة تساعدهم على تطوير نشاطهم. كما يشدد الخبراء على أهمية الاستثمار في البحث العلمي الزراعي لتعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية.
يمكن القول إن موسم الحصاد 2025 يمثل علامة فارقة في مسار الفلاحة التونسية، حيث جمع بين إنتاج قياسي وإجراءات حكومية داعمة. ومع استمرار التحديات المناخية والاقتصادية، فإن الرهان الأكبر يظل متمثلًا في تحقيق توازن دائم يضمن استدامة القطاع ويعزز الأمن الغذائي الوطني.