في ذاكرة الإعلام التونسي والعربي، قلّة هم الذين تركوا أثراً عميقاً كالذي تركه الإعلامي الراحل نجيب الخطاب. لم يكن مجرد مذيع، بل كان مدرسة في فن التواصل، ووجهاً مألوفاً طبع صباحات التونسيين بدفء صوته وصدق حضوره.
النشأة والبدايات
وُلد نجيب الخطاب في تونس العاصمة، في شهر فيفري. أظهر منذ صغره شغفاً باللغة العربية وحُباً كبيراً للإذاعة، مما جعله يتّجه مبكرًا نحو المجال الإعلامي.
بدأ مسيرته في الإذاعة التونسية، حيث برز بسرعة من خلال تقديم برامج اجتماعية وثقافية، ليتحول لاحقاً إلى أحد أبرز الإعلاميين في تونس والعالم العربي.
مسيرة مهنية امتدت لعقود
امتدت مسيرته الإعلامية لأكثر من عشرين عاماً، كان فيها صوتاً مألوفاً ومرآةً لثقافة الشعب التونسي. جمع بين التثقيف والترفيه والإنسانية، وتميّز بفصاحته، وهدوئه، وقدرته على خلق حوار راقٍ ومؤثّر.
من أبرز برامجه:
- صباح الخير تونس: برنامج إذاعي صباحي بفقرات منوعة وأخبار خفيفة.
- أغاني في الذاكرة: برنامج يعرض أرشيف الأغاني العربية بتقديم وجداني.
- مع نجيب الخطاب: برنامج حواري تلفزيوني استضاف فيه كبار النجوم بأسلوب ذكي وعميق.
أسلوبه المميز
كان نجيب الخطاب يتحدث بلغة بسيطة ومؤثرة، قريبة من الناس، بعيدة عن التكلف. ميّزته عاطفته الصادقة، واحترامه العميق للجمهور وضيوفه، ما جعله يلقّب بـ“إعلامي الإنسانية”.
لقاءات خالدة مع كبار النجوم
استضاف نجيب الخطاب نخبة من رموز الفن والثقافة العربية مثل:
- وردة الجزائرية
- صباح
- عبد الوهاب الدكالي
- لطفي بوشناق
- مواد أرشيفية لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ
اتسمت لقاءاته بالدفء، وكان يُمنح ضيفه المساحة الكافية للبوح، فيُخرج أجمل ما في الإنسان خلف الشهرة.
بعيداً عن الأضواء
خارج الأستوديو، كان نجيب الخطاب شخصاً بسيطاً وهادئاً، محباً للمطالعة وللأدب العربي والتراث الموسيقي. لم يكن يسعى للشهرة، بل للتأثير الإيجابي، وكان يُعرف بتواضعه وأخلاقه العالية.
إعلامي مثقف يعشق الموسيقى
كان عاشقاً للطرب الأصيل، وغالباً ما استخدم موسيقى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ كخلفية لبرامجه. كما فتح الأبواب أمام الأصوات التونسية الشابة، وساهم في نشرها عبر الأثير.
بصمة لا تُمحى
رغم مرور أكثر من عقدين على وفاته، لا يزال صوته يُذكر كلما تحدث الناس عن “الزمن الجميل” للإعلام. ارتبط اسمه بلحظات صباحية دافئة ولقاءات إنسانية مؤثرة.
تأثيره على الإعلاميين الجدد
ألهم أسلوب نجيب الخطاب أجيالاً من الإعلاميين، الذين يعتبرونه نموذجاً يُحتذى في الاحتراف واللباقة والتواصل مع الجمهور. يُستشهد به اليوم في مدارس الإعلام كقدوة في الأداء الإذاعي الرصين.
رحيله وصدى الفقد
توفي نجيب الخطاب في نوفمبر 1998 إثر أزمة قلبية مفاجئة، وهو في أوج عطائه. وقد خلف رحيله حزناً واسعاً في الأوساط الإعلامية والثقافية، ونعاه كبار الإعلاميين والفنانين في الوطن العربي.
تكريم وتخليد الذكرى
تمت تسمية قاعات إعلامية باسمه، كما أُقيمت له برامج تكريمية، وأُطلقت جوائز باسمه. ما زال يُذكر اليوم كأحد أعمدة الإعلام التونسي الأصيل، الذي جمع بين الذوق، المهنية، والإنسانية.
نجيب الخطاب... الإعلامي الذي لن يغيب
نجيب الخطاب لم يكن مجرد مذيع، بل كان صوتاً وطنياً دافئاً ورفيقاً صباحياً لأجيال من التونسيين. رحل مبكرًا، لكن أثره باقٍ، وصوته ما زال يتردّد في ذاكرة كل من عرف "الإذاعة على أصولها".