أصدر مفتي الجمهورية التونسية اليوم الخميس بلاغًا رسميًا أعلن فيه عن تحديد نصاب زكاة المال للعام الهجري 1447، حيث قُدّر المبلغ بـ27002 دينار و976 مليما (أي 27002.976 د). ويُعتبر هذا التحديد السنوي مرجعًا أساسيًا للمواطنين التونسيين الراغبين في أداء فريضة الزكاة بشكل صحيح وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ما هو نصاب زكاة المال؟
النصاب هو الحد الأدنى من المال الذي إذا بلغه المسلم أو تجاوزه وجبت عليه الزكاة. ويُقاس هذا النصاب تقليديًا بما يعادل 85 غرامًا من الذهب الخالص. وبناءً على سعر الذهب في السوق التونسية، يحدد ديوان الإفتاء قيمة النصاب بالدينار التونسي كل عام هجري.
كيفية احتساب الزكاة
أوضح البلاغ الصادر أن كل من بلغ ماله النصاب المحدد أو تجاوزه، وأتمّ حولًا قمريًا كاملاً (أي سنة قمرية كاملة دون أن ينقص عن النصاب)، يتعين عليه إخراج زكاة بنسبة 2.5% من إجمالي المدخرات.
على سبيل المثال: إذا كان لدى شخص 40 ألف دينار مدخرًا لمدة عام كامل، فإن مقدار الزكاة الواجبة عليه هو:
40,000 × 2.5% = 1,000 دينار
مصارف الزكاة الشرعية
أشار بلاغ المفتي إلى أن أموال الزكاة تُصرف في الأوجه التي حددها القرآن الكريم في الآية 60 من سورة التوبة، حيث يقول الله تعالى:
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"
وبذلك، فإن مصارف الزكاة ثمانية، وهي:
- الفقراء: من لا يجدون ما يكفي لسد حاجاتهم الأساسية.
- المساكين: من يملكون بعض المال لكنه لا يغطي كامل احتياجاتهم.
- العاملون عليها: من يقومون بجمع الزكاة وتوزيعها.
- المؤلفة قلوبهم: من يراد تقوية إيمانهم أو دفع شرهم.
- في الرقاب: المساهمة في تحرير الرقاب.
- الغارمون: المدينون العاجزون عن سداد ديونهم.
- في سبيل الله: الإنفاق في أوجه خدمة الإسلام والمصلحة العامة.
- ابن السبيل: المسافر المنقطع عن بلده وماله.
الزكاة ركن من أركان الإسلام
تُعد الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة إلى جانب الشهادتين، الصلاة، الصيام، والحج. فهي ليست مجرد عبادة مالية، بل وسيلة عملية لإحياء قيم التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع.
وتؤكد التجربة الإسلامية أن الزكاة ساهمت على مرّ العصور في تقليص الفوارق الاجتماعية والحد من معاناة الفئات الهشة، بالإضافة إلى تنشيط الدورة الاقتصادية عبر إعادة توزيع الثروات بشكل عادل.
أهمية الزكاة في دعم المجتمع
للزكاة دور مزدوج: فهي من جهة عبادة تعزز صلة العبد بربه من خلال الطاعة والامتثال، ومن جهة أخرى أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. حيث تساعد الفقراء على العيش بكرامة، وتساهم في تخفيف معاناة المرضى واليتامى والمدينين.
كما تشكل الزكاة وسيلة لإعادة توزيع الثروات الوطنية بشكل يحد من التفاوت الطبقي ويعزز التماسك المجتمعي.
الزكاة بين الواجب الديني والمسؤولية الاجتماعية
ينظر الفقهاء والمفكرون إلى الزكاة على أنها جسر يربط بين العبادة والعمل الاجتماعي. فهي ليست مجرد إخراج نسبة من المال، بل هي رسالة أخلاقية عميقة تدعو إلى الإحساس بالآخر ومساندته في مواجهة صعوبات الحياة.
كما أن الالتزام بدفع الزكاة يساعد على تطهير المال ونمائه كما جاء في القرآن الكريم: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" [التوبة: 103].
إن إعلان نصاب الزكاة في تونس للعام الهجري 1447 والمقدّر بـ27002.976 دينار يذكّر المسلمين بضرورة أداء هذه الفريضة العظيمة التي تجمع بين العبادة والتكافل. فهي ركن أساسي من أركان الدين ووسيلة فعالة لمساعدة الفقراء والمحتاجين ودعم التماسك الاجتماعي.
ومع التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم، يظل الالتزام بالزكاة تعبيرًا صادقًا عن روح التضامن وامتثالًا لأمر الله تعالى، بما يحقق الخير والبركة للمجتمع بأسره.